كثرت الدراسات حول صحيح البخاري شرحاً ودراسةً، وتفنّن علماءُ الحديث وغيرُهم في استخراجِ كنوزهِ، وبيانِ مسالكهِ وفوائدهِ، وتعددت مناهجُهم في الشرحِ. فمنهم: من تناوله بالتفصيلِ، ومنهم من ركّز على جانبٍ معينٍ: مِن تفسيرِ تراجمهِ، وبيانِ مناسبتها للأحاديثِ الواردةِ تحتها، واستنباط الفوائدِ والنكاتِ الفقهيةِ، والحديثيةِ، والتربويةِ، والأدبيةِ، واللغويةِ. وجاءت هذه الدراسة لتبرزَ شرحاً من الشروحِ المتقدمةِ للجامعِ الصحيحِ هو شرح ابن بَطَّال القرطبي، مِن علماءِ المالكيةِ المشهود لهم بالمكانةِ العاليةِ في المذهب، والعنايةِ التامّةِ بالحديثِ كما ظهرَ من ترجمتهِ. وكتابُهُ هذا نَهَلَ منه كلُّ مَنْ جاءَ بعده مِن الشرّاحِ، فتتبعوا أقوالَه، واقتبسوا منها، وكان أبرز المتأثرين به: ابن حجر في «فتح الباري»، إذْ أَكْثَرَ مِن النقولِ عنه، مؤيداً، أو مخالفاً. وامتازَ هذا الشرح بأنْ غَلَبَ عليه الشرحُ الفقهي، ولكنَّه مع ذلك اشتملَ على كثيرٍ مِن الفوائدِ الحديثيةِ، واللغويةِ، والزهديةِ. فبينت الدراسةُ أهمَّ معالم منهجهِ في الشَّرح، والتي تتلخص في النقاط الآتية: - موضوعيتُهُ وحياديتُهُ: فمعْ أنَّه مِن كبارِ المالكيةِ يعرضُ جميعَ المذاهبِ والأقوالِ الفقهيةِ في المسألةِ الواحدةِ، ويذكرُ أدلّتهم، ويناقشها بدونِ تعصبٍ، ويدورُ مع الدليل أينما دار، ممّا دفعه منهجُهُ هذا لمخالفةِ رأي المالكيةِ في عددٍ مِن المسائلِ. - تعرضُهُ لمنهجِ البخاري في اختيارِ أحاديثِهِ وترتيبِها: حيث تعقّبَ البخاري في عددٍ مِن المواضعِ، واستشكلَ صنيعَه فيها، ممّا دفعَ بعضَ العلماءِ وفي مقدمتهم ابن حجر للردّ عليه.
كثرت الدراسات حول صحيح البخاري شرحاً ودراسةً، وتفنّن علماءُ الحديث وغيرُهم في استخراجِ كنوزهِ، وبيانِ مسالكهِ وفوائدهِ، وتعددت مناهجُهم في الشرحِ. فمنهم: من تناوله بالتفصيلِ، ومنهم من ركّز على جانبٍ معينٍ: مِن تفسيرِ تراجمهِ، وبيانِ مناسبتها للأحاديثِ الواردةِ تحتها، واستنباط الفوائدِ والنكاتِ الفقه...