إن علماء الشريعة في سعيهم لتأسيس علم المقاصد و ربطه بتنزيل الأحكام سلكوا ثلاثة مسالك: الأول : كان أصوليا جزئيا تمثل في مباحث القياس والعلة . والثاني: كان فقهيا تعليليا اقتصر فيه أصحابه على سرد حكم الأحكام عبر الأبواب الفقهية المعهودة . والثالث: كان جامعا بين محاسن سابقيه مع تنقيح وزيادة أخرج علم المقاصد الشرعية من عقال القياس إلى فضاء الكليات المقاصدية ، و هو مسلك الإمام الشاطبي الذي حاولنا التعريف به في هذا المقال ، وقد انبنى على أربعة أسس تم الحديث عنها في أربعة مطالب: المطلب الأول: التسليم بالأسس العقدية لعلم المقاصد ، و هي ثلاث مقدمات : أولها : تتعلق بالقصد و الإرادة ، حيث أثبت الشاطبي تبعا لجمهور الأمة القصدية لأفعال الله تعالى . ثانيها : المقدمــة التعليلية ، حيث بـــرهن الشاطبي عن طريق استقراء الأدلة كلياتها وجزئياتها أن فعل الله التشريعي معلل بمصالح العباد رحمة بهم . ثالثها: مسألة التحسين والتقبيح حيث بين الشاطبي مكانة العقل في علاقته بالشرع . المطلب الثاني : ضرورة تنزيل العلم إلى العمل في هذا المطلب حاولت بيان أن الشاطبي بوأ جميع جهوده العلمية لخدمة تنزيل الشريعة إلى التطبيق ، فبعد أن برهن على أن العلم المطلوب شرعا هو المفضي إلى العمل ، و على أن العمل المقصود هو الموافق للشريعة ، حدد ثلاث علامات للعالم الراسخ كلها راجعة إلى العمل وموافقته لمقاصد الشريعة . المطلب الثالث: موافقة العمل لمقاصد الشريعة و فيه تم بيان أن تنزيل الأحكام ينبغي أن يكون موافقا للمقاصد الشرعية ، حيث أفضى الشاطبي إلى تقرير مستويات أربعة للمقاصد الموجهة لعمل المجتهد المقاصدي : 1 - مستوى المقاصد الابتدائية. 2 - مستوى المقاصد الإفهامية. 3 - مستوى المقاصد التكليفية. 4 - مستوى المقاصد الامتثالية. المطلب الرابع: إرجاع المقاصد الشرعية إلى كليات في هذا المطلب تم توضيح مسلك الاستقراء الذي سلكه الشاطبي في التقعيد لعلم المقاصـد والذي اقتضى منه تجاوز التأسيسات و التقعيدات الجزئية السابقة، وأثبت الكليات المقاصدية على سبيل القطع عن طريق استقراء الشريعة في أدلتها الكلية والجزئية ، وأسس بذلك الإطار العلمي لممارسة تنزيل الأحكام. وتجدر الإشارة ( في الأخير) إلي أنني افتتحت هذا البحث بمقدمة مفصحـــة عن المقصود وختمته بخاتمة مذكرة بأهم النتائج ، مع لائحة بأهم المصادر والمراجع.
إن علماء الشريعة في سعيهم لتأسيس علم المقاصد و ربطه بتنزيل الأحكام سلكوا ثلاثة مسالك: الأول : كان أصوليا جزئيا تمثل في مباحث القياس والعلة . والثاني: كان فقهيا تعليليا اقتصر فيه أصحابه على سرد حكم الأحكام عبر الأبواب الفقهية المعهودة . والثالث: كان جامعا بين محاسن سابقيه مع تنقيح وزيادة أخرج علم الم...